باتت العلاقات الإيرانية الإسرائيلية تتّسم بمبدأ "الدمار المؤكّد المتبادل"، أي عرف الإستراتيجية العسكرية وسياسة الأمن الوطني
الذي يتمثل باستخدام شامل للأسلحة الثقيلة من جانب طرفين متخاصمين الأمر الذي يخلص إلى إبادة محتملة للمهاجم والمدافع كليهما في حرب لا يكون فيها رابح وإنما فقط دمار متبادل. وقد بني مبدأ الدمار المؤكد المتبادل هذا على أساس نظرية الردع بحيث يصبح نشر الجنود والتهديد باستخدام الأسلحة الثقيلة ضرورة لتهديد العدو المفترض ومنعه من استخدام الأسلحة نفسها ضدّ الدولة. وتعدّ هذه الاستراتيجية جزءاً من التوازن الشهير لعالم الرياضيات "جون فوربز ناش" (الذي تجسّدت قصة حياته في فيلم "العقل الجميل") ، ففي هذا التوازن يفترض "ناش" أنّ أيّاً من الطرفين المسلّحين ليس لديه الحافز المنطقي لبدء صراع أو لنزع السلاح. ويفترض "العرف المجنون" أنّ كلّاً من الطرفين لديه القوة الكافية في العتاد والعديد ضمن قوّاته التي تخوّله تدمير الطرف الآخر. وإذا ما هاجم أحد الطرفين الطرف الآخر لأيّ من الأسباب، فإن الدولة المعتدى عليها ستنجح في الانتقام لنفسها باستخدام قوّة مماثلة أو قوّة أضخم.
وفي هذا السياق، يعتقد بعض المحلّلين في البنتاغون ذوي الخبرة بالدمار المؤكّد المتبادل كونهم شكّلوا جزءاً من العرف الاستراتيجي الأميركي والعرف الاستراتيجي التابع للدول الإشتراكية في الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، أنّه من الممكن تجنّب العدوان الإسرائيلي المتواصل والحرب النووية في الشرق الأوسط بشرط ألّا تتوقع هاتان الدولتان تبادلاً واسع النطاق على اعتبار أنهما دولتان فاعلتان. ورغم أن أوائل تسعينيات القرن الماضي قد أتت على نهاية الحرب الباردة، إلا أنّ هذا العرف لا زال يطبّق وخصوصاً بين إسرائيل وإيران.
وخلال الأشهر الأخيرة، اشتدّ "الخطر الإيراني الداهم" ليتفوّق على تهديدات أميركا وإسرائيل وحلفائهما من "المجتمع الدولي". وبالمقابل، فإن شعوب العالم أصبحت تنظر إلى قوة إيران العسكرية بمنظار مختلف. وذلك لا ينطبق فقط على دول الشرق الأوسط، وإنما أيضاً على دول عدم الانحياز التي تدعم حق إيران في تخصيب اليورانيوم، وتجدر الإشارة إلى أنّ دول عدم الانحياز يبلغ عددها 120 دولة. وفي سياق متّصل، ورد في استطلاع للرأي أجرته منظمة الرأي العام العالمي (WorldPublicOpinion.org) هذا الأسبوع أن 75% من الشعب الأميركي يفضّلون الانسحاب الفوري للولايات المتحدة من أفغانستان، وأغلبيتهم لا يرون أن إيران تشكّل تهديداً.
وكما جاء مؤخراً على لسان البروفيسور "نعّوم تشومسكي"، فإن الأوروبيين يرون أن إسرائيل هي التهديد الأكبر للسلام العالمي وليس إيران، وهم أيضاً قلقون من المخاطر التي تشكّلها على الشرق الأوسط. ويخلص الاستطلاع إلى اعتبار أن قلّة قليلة ترى تهديداً في إيران بالرغم من أنّ معظم الأنظمة العربية تكرهها. أما إسرائيل والولايات المتحدة فهما التهديد الأكبر. ويعتقد السواد الأعظم أن المنطقة قد تكون أكثر أمناً إذا ما حصلت إيران على أسلحة نووية: ففي مصر وعشيّة ذكرى الربيع العربي، ساد هذا الرأي 90% من الشعب بحسب استطلاعات معهد "بروكينغز" ومؤسسة "زغبي الدولية" للاستطلاع. وبالإضافة إلى ذلك، عارضت كلّ من الصين وروسيا سياسة الولايات المتحدة ضدّ إيران، وكذلك فعلت الهند التي أعلنت أنها ستتجاهل العقوبات الأميركية وستزيد التبادل التجاري مع إيران. وكذلك حذت تركيا حذو تلك الدول، واتجهت شعوبها لترجيح كفّة القوة الإيرانية رادعةً التاريخ العدواني الإسرائيلي.
وثمّة القليل من المناقشات الصادقة التي تدور فقط حول ما يشكّله التهديد الإيراني بالرغم من أننا نمتلك الجواب الموثوق لدى الأجهزة العسكرية وأجهزة الاستخبارات الأميركية. فما تقدّمه هذه الجهات في الكونغرس يوضح أن إيران لا تشكّل تهديداً عسكريّاً.
وفي عدد من هذه العروض التي تقدّمها الأجهزة العسكرية وأجهزة الإستخبارات الأميركية للكونغرس، فإن العرف الاستراتيجي الإيراني دفاعي ومصمّم لردع الغزو ذلك أن الطرق الدبلوماسية تأخذ وقتاً طويلاً إلى أن تصبح نافذة المفعول. فإذا كانت إيران تطوّر الأسلحة النووية (الأمر الذي ما زال غير معلوم)، فإن ذلك سيكون جزءاً من استراتيجية الردع خاصّتها.
أما الفهم الجدّي بين المحلّلين الإسرائيليين والأميركيين فيرد على لسان السياسي المحنّك "بروس ريدل"، الذي أمضى 30 عاماً يعمل لدى وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إيه)، والذي قال: "إذا كنت إيرانيّاً مخطّطاً للأمن القومي كنت لأطلب الأسلحة النووية" للردع.
ويعدّ الغموض الذي يلفّ أسلحة حزب الله من دعائم حال الردع المتبادل الحالية بين حلفاء مقاومة إسرائيل الآخذين بالتزايد. فخلال حرب إسرائيل الخامسة على لبنان عام 2006، عرف أن المقاومة الوطنية اللبنانية التي قادها حزب الله قد عدلت عن استخدام أسلحتها الأكثر تدميراً لعدد من الأسباب لعلّ أهمّها نصائح حلفائها وبينهم إيران. ولكن الحال لن تكون كذلك في الحرب المقبلة.
وفي سياق متّصل، فإن سوريا لم تعهد إلى حلفائها بأقوى أسلحتها في حرب عام 2006، أما الآن فما زال الغموض يلفّ أنظمة التسليح الحالية التي ستكون متوفّرةً خلال الأوضاع الراهنة في سوريا على أن يتمّ استخدامها ضدّ إسرائيل.
وبحسب مسؤولين إسرائيليين، فإن المئات من مقاتلي حزب الله قد تلقّوا التدريبات لاستخدام الأسلحة المتطورة المضادّة للطائرات في سوريا وإيران خلال الأشهر الماضية، وبلغة أعمق تعتبر الجهات العسكرية الإسرائيلية أن ذلك حتماً يعرّض تفوّقها الجوّي للخطر. أما روسيا فقد أرسلت أيضاً عدداً من الأسلحة المتطوّرة المضادّة للطائرات إلى سوريا خلال العام الماضي، وكان منها حوالى 40 صاروخ "غريزلي" من نوع (أس.إيه 17)، وصاروخي "بوك" متوسّطي المدى من نوع (أس.إيه 17) وذلك بحسب معهد السلام العالمي للبحوث في ستوكهولم.
وفضلاً عن ذلك، تعتقد إسرائيل أن روسيا قد سلّمت سوريا مؤخراً أنواعاً مطوّرةً من طائرات (ميغ 29) المقاتلة، وأنها تطوّر مئات الدبابات من طراز (تي.72) سنويّاً منذ العام 2007 فضلاً عن تجهيزها بعدد أكبر من الأسلحة المتطورة، وأنّ مقاتلي المقاومة اللبنانية وعلى رأسهم حزب الله قد خضعوا ويخضعون للتدريب على استخدام هذه الأسلحة.
وخلال الشهر الماضي استذكر نائب وزير الدفاع الإيراني أحمد فاهيدي عرف إيران الردعي عبر تحذيره إسرائيل من شنّها أيّ هجوم على إيران قائلاً: "إن أي عمل يقوم به النظام الصهيوني ضدّ إيران سيؤدّي إلى دماره".
وفي حديث له في ذكرى رحيل قادة حزب الله، قال فاهيدي: "إن إسرائيل لم تكن يوماً أضعف مما هي عليه الآن، وجيشها متعب ومذلول... ولذلك فهي تحاول حلّ مشاكلها عبر الكلام عن القيام بشيء ضدّ إيران. إلّا أن هذه العبارات سخيفة، فالمحاربون الإيرانيون جاهزون وعازمون على الثأر من إسرائيل وتدميرها ولدينا القدرة على القيام بذلك".
أما من جهة موظفي الاستخبارات الأميركيين والإسرائيليين فيتّجهون لأخذ حال الدمار المؤكّد المتبادل المتزايدة في الوقت الراهن على محمل الجدّ كما كان حاصلاً أيّام الحرب الباردة. وإذا ما مضى الطرفان قدماً في هذا الأمر بشكل جدّي، فإن الشرق الأوسط سيتجنّب حرباً كبرى.
أما الآن فإن مجتمع وكالات الإستخبارات الأميركية الذي يضم 16 وكالة سيمضي ربّما في مهمّته الأكثر إرهاقا والتي تقضي بتطوير القدرة الأميركية لمنع إسرائيل من إثارة سلاح نووي.

وخلال الأشهر الأخيرة، اشتدّ "الخطر الإيراني الداهم" ليتفوّق على تهديدات أميركا وإسرائيل وحلفائهما من "المجتمع الدولي". وبالمقابل، فإن شعوب العالم أصبحت تنظر إلى قوة إيران العسكرية بمنظار مختلف. وذلك لا ينطبق فقط على دول الشرق الأوسط، وإنما أيضاً على دول عدم الانحياز التي تدعم حق إيران في تخصيب اليورانيوم، وتجدر الإشارة إلى أنّ دول عدم الانحياز يبلغ عددها 120 دولة. وفي سياق متّصل، ورد في استطلاع للرأي أجرته منظمة الرأي العام العالمي (WorldPublicOpinion.org) هذا الأسبوع أن 75% من الشعب الأميركي يفضّلون الانسحاب الفوري للولايات المتحدة من أفغانستان، وأغلبيتهم لا يرون أن إيران تشكّل تهديداً.
وكما جاء مؤخراً على لسان البروفيسور "نعّوم تشومسكي"، فإن الأوروبيين يرون أن إسرائيل هي التهديد الأكبر للسلام العالمي وليس إيران، وهم أيضاً قلقون من المخاطر التي تشكّلها على الشرق الأوسط. ويخلص الاستطلاع إلى اعتبار أن قلّة قليلة ترى تهديداً في إيران بالرغم من أنّ معظم الأنظمة العربية تكرهها. أما إسرائيل والولايات المتحدة فهما التهديد الأكبر. ويعتقد السواد الأعظم أن المنطقة قد تكون أكثر أمناً إذا ما حصلت إيران على أسلحة نووية: ففي مصر وعشيّة ذكرى الربيع العربي، ساد هذا الرأي 90% من الشعب بحسب استطلاعات معهد "بروكينغز" ومؤسسة "زغبي الدولية" للاستطلاع. وبالإضافة إلى ذلك، عارضت كلّ من الصين وروسيا سياسة الولايات المتحدة ضدّ إيران، وكذلك فعلت الهند التي أعلنت أنها ستتجاهل العقوبات الأميركية وستزيد التبادل التجاري مع إيران. وكذلك حذت تركيا حذو تلك الدول، واتجهت شعوبها لترجيح كفّة القوة الإيرانية رادعةً التاريخ العدواني الإسرائيلي.
وثمّة القليل من المناقشات الصادقة التي تدور فقط حول ما يشكّله التهديد الإيراني بالرغم من أننا نمتلك الجواب الموثوق لدى الأجهزة العسكرية وأجهزة الاستخبارات الأميركية. فما تقدّمه هذه الجهات في الكونغرس يوضح أن إيران لا تشكّل تهديداً عسكريّاً.
وفي عدد من هذه العروض التي تقدّمها الأجهزة العسكرية وأجهزة الإستخبارات الأميركية للكونغرس، فإن العرف الاستراتيجي الإيراني دفاعي ومصمّم لردع الغزو ذلك أن الطرق الدبلوماسية تأخذ وقتاً طويلاً إلى أن تصبح نافذة المفعول. فإذا كانت إيران تطوّر الأسلحة النووية (الأمر الذي ما زال غير معلوم)، فإن ذلك سيكون جزءاً من استراتيجية الردع خاصّتها.
أما الفهم الجدّي بين المحلّلين الإسرائيليين والأميركيين فيرد على لسان السياسي المحنّك "بروس ريدل"، الذي أمضى 30 عاماً يعمل لدى وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إيه)، والذي قال: "إذا كنت إيرانيّاً مخطّطاً للأمن القومي كنت لأطلب الأسلحة النووية" للردع.
ويعدّ الغموض الذي يلفّ أسلحة حزب الله من دعائم حال الردع المتبادل الحالية بين حلفاء مقاومة إسرائيل الآخذين بالتزايد. فخلال حرب إسرائيل الخامسة على لبنان عام 2006، عرف أن المقاومة الوطنية اللبنانية التي قادها حزب الله قد عدلت عن استخدام أسلحتها الأكثر تدميراً لعدد من الأسباب لعلّ أهمّها نصائح حلفائها وبينهم إيران. ولكن الحال لن تكون كذلك في الحرب المقبلة.
وفي سياق متّصل، فإن سوريا لم تعهد إلى حلفائها بأقوى أسلحتها في حرب عام 2006، أما الآن فما زال الغموض يلفّ أنظمة التسليح الحالية التي ستكون متوفّرةً خلال الأوضاع الراهنة في سوريا على أن يتمّ استخدامها ضدّ إسرائيل.
وبحسب مسؤولين إسرائيليين، فإن المئات من مقاتلي حزب الله قد تلقّوا التدريبات لاستخدام الأسلحة المتطورة المضادّة للطائرات في سوريا وإيران خلال الأشهر الماضية، وبلغة أعمق تعتبر الجهات العسكرية الإسرائيلية أن ذلك حتماً يعرّض تفوّقها الجوّي للخطر. أما روسيا فقد أرسلت أيضاً عدداً من الأسلحة المتطوّرة المضادّة للطائرات إلى سوريا خلال العام الماضي، وكان منها حوالى 40 صاروخ "غريزلي" من نوع (أس.إيه 17)، وصاروخي "بوك" متوسّطي المدى من نوع (أس.إيه 17) وذلك بحسب معهد السلام العالمي للبحوث في ستوكهولم.
وخلال الشهر الماضي استذكر نائب وزير الدفاع الإيراني أحمد فاهيدي عرف إيران الردعي عبر تحذيره إسرائيل من شنّها أيّ هجوم على إيران قائلاً: "إن أي عمل يقوم به النظام الصهيوني ضدّ إيران سيؤدّي إلى دماره".
وفي حديث له في ذكرى رحيل قادة حزب الله، قال فاهيدي: "إن إسرائيل لم تكن يوماً أضعف مما هي عليه الآن، وجيشها متعب ومذلول... ولذلك فهي تحاول حلّ مشاكلها عبر الكلام عن القيام بشيء ضدّ إيران. إلّا أن هذه العبارات سخيفة، فالمحاربون الإيرانيون جاهزون وعازمون على الثأر من إسرائيل وتدميرها ولدينا القدرة على القيام بذلك".
أما من جهة موظفي الاستخبارات الأميركيين والإسرائيليين فيتّجهون لأخذ حال الدمار المؤكّد المتبادل المتزايدة في الوقت الراهن على محمل الجدّ كما كان حاصلاً أيّام الحرب الباردة. وإذا ما مضى الطرفان قدماً في هذا الأمر بشكل جدّي، فإن الشرق الأوسط سيتجنّب حرباً كبرى.
أما الآن فإن مجتمع وكالات الإستخبارات الأميركية الذي يضم 16 وكالة سيمضي ربّما في مهمّته الأكثر إرهاقا والتي تقضي بتطوير القدرة الأميركية لمنع إسرائيل من إثارة سلاح نووي.
كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله
ترجمة: زينب عبدالله
بيروت
0 التعليقات:
إرسال تعليق