إن الأسرة في الإسلام هي الوحدة الاجتماعية الأساسية في المجتمع الإسلامي التي تتأسس بها ومن خلالها علاقات تقوم على قيم بر الوالدين وصلة الرحم.
وعلى العكس من هذين المفهومين للزواج والأسرة في الإسلام، فإن جماعات حقوق الإنسان تروج داخل أروقة كل المؤتمرات الدولية التي تعقد لبحث المسائل المتعلقة بالمرأة والسكان مفاهيم أخري في محاولة لإضفاء الشرعية على علاقات الشواذ بين رجلين أو امرأتين، حيث دعت الوثائق الصادرة عن بعض المنظمات الدولية إلى إزالة كل أشكال التمييز بين هذه العلاقات القائمة على الشذوذ وبين الأسرة التقليدية القائمة على الزواج الطبيعي كما عرفته نواميس الكون.وهذا التراجع لقيمة الأسرة في الثقافة الغربية يعود في الجزء الغالب منه إلى السعار الجنسي الذي أصاب مجتمعات الغرب، وهذا الصدى المبالغ فيه والشذوذ في العلاقات الجنسية الذي تعدى مسألة إقامة علاقات جنسية مثلية بين أبناء الجنس الواحد بل وحتى الاستخدام غير الإنساني أو الأخلاقي للأطفال في علاقات جنسية غير سوية، ليصل إلى معاشرة الحيوانات وإقحام الغريزة الجنسية في كل أشكال الفنون والأعلام. بل أن المجتمعات الغربية حاولت إضفاء مسحة قانونية زائفة على هذه العلاقات الشاذة من خلال تقنين الزنا والشذوذ، ففي سبتمبر عام 1957تخرج لجنة (ولفندون) التي شكلها مجلس النواب البريطاني لبحث هذه المسألة بتوصيات لإحداث تعديلات تشريعية حول أوضاع المثليين (أي أصحاب العلاقات الجنسية بين أبناء الجنس الواحد) وهو ما استجابت له بالفعل الحكومة البريطانية وتبعتها بعد ذلك الولايات المتحدة. ومنذ الستينات في القرن الماضي بدأت تتشكل في الغرب منظمات السحاقيات واللوطين، بل وتتعاون فيما بينها بدعوى تحقيق حرية الجنس الثالث.
وبالإضافة إلى هذا الهوس والشذوذ الجنسي، فإن حركة تحرير المرأة، التي نشأت في الستينات بالأساس بهدف الحصول على ضمانات قانونية للمرأة في مجال ظروف العمل والحقوق السياسية تحت شعار تحرير المرأة من سلطة الرجل، تحولت إلى استخدام مفهوم جديد من "الأنثوية" أو "النسوية" أو "النسوانية"Feminism ، وبدأت بعض الحركات النسائية في الغرب باستخدام هذا المفهوم للترويج لأفضلية المرأة واستبعاد ما اعتبره هذا الاتجاه "السلطة الأبوية المرفوضة"، باعتبار أن المجتمعات الإنسانية كانت في البداية أمومية ثم استولى عليها الرجال. بل أن الحركة النسوية تعلن في مرحلة تالية إمكانية استغناءها تماماً عن الرجال حتى في العلاقات الجنسية واعتبار نفسها الإطار النظري لممارسة السحاق بين المثليات من النساء.
والهدف الأساسي للحركة النسوية هو التخلص من عبء الأسرة بادعاء أن النظام الأسري ضد طبائع البشر، بل أن الغرب في سعيه لاستخدام هذه الورقة للضغط على الحكومات الأخرى اعتبرها ضمن قضايا حقوق الإنسان داعياً إلى رفع ما يسمى بالقيود والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة، بغض النظر عن القيم والمبادئ السائدة في المجتمعات الأخرى غير المجتمعات الغربية، وهي القيم والمبادئ التي لا تسمح بالشذوذ والسلوك الاجتماعي المنافي للطبيعة. أما الأخطر من كل ذلك فهو أن المنظمات الدولية بدأت في تبني هذه المفاهيم والمبادئ النسوانية وصياغتها في وثائق رسمية تضفي عليها هذه المنظمات الصفة القانونية والشرعية، لتحاول بعد ذلك أن تصنع منها قضية دولية.
بل أن الحركة النسوانية، في سعيها لاعادة تحديد المفاهيم المرتبطة بدور الرجل والمرأة داخلها، طالبت بمخاطبة الله عز وجل بضمير (هي) ، ويعتبرون أن مخاطبة الخالق بضمير المذكر فقط هو إهانة للنساء وتحقير من شأنهن. وتبع ذلك أن المبشرات بمبادئ هذه الحركة من بني جلدتنا في المجتمعات العربية والإسلامية يطالبن بإعادة تفسير القرآن الكريم والسنة المشرفة من منظور أنثوي جديد.
فالحركة النسوانية في الغرب، التي تنتقل بالتدريج على استحياء وبدون حياء أحياناً، لم تجعل من المرأة الغربية معولاً لهدم أسرتها فقط، وإنما لهدم مقومات مجتمعها من الأساس، وظهرت أشكال شاذة من التعايش بين امرأة وامرأة أو بين رجل ورجل وحتى بين أكثر من رجل وامرأة كما يتفق. وبالإضافة إلى الدول الاسكندنافية التي أضفت جميعها شرعية قانونية على مثل هذه الأشكال وسمحت لهؤلاء الشواذ بتبني الأطفال وتنشئتهم وسط هذا العبث الإنساني غير الأخلاقي، في الحالات التي احتفظت بها الأسرة الغربية بالشكل التقليدي بين رجل وامرأة كما اعتادت البشرية منذ نشأتها فإن هذا الشكل اتخذ له شكلاً قانونياً جديداً يفرغ مؤسسة الزواج من مضمونها بشكل مدهش، فبدلاً من الزواج الكنسي أو حتى المدني الذي يفرض على طرفيه تبعات قانونية يضيق بها كلاهما، ظهر في الغرب شكل جديد من العلاقة بين الرجل والمرأة ضمن ما يسمى "بزواج العقود"، وهو ليس زواجاً من الأساس إلا أن طرفيه يلجآن إليه لتنظيم توزيع النفقات ومسئوليات الحياة اليومية بين طرفين غالباً ما يكونان قد تعاشرا لمدة سابقة معاشرة الأزواج ولكن دون أن يتم تسجيل هذه العلاقات على إنها علاقات زواج قد تؤدي عند الانفصال مثلاً إلى اقتسام ثروة الطرفين بالتساوي كما هو متبع عند الطلاق من زواج كنسي أو مدني. ومن الغريب مثلاً أن مثل هذه العقود قد تشتمل على بنود تحدد عدد مرات المعاشرة الجنسية وتصفها في وقاحة لا تخجل حتى من وصف الشذوذ بعينه بالإضافة إلى تفاصيل أخرى، كالمسئولية عن أعمال التنظيف والتسوق وتقاسم النفقات على سبيل المثال.
وما سبق يضاف إلى الفصام الذي لم يكن هناك مفر منه بين الزواج الديني الذي لا يزال سائداً بين المسيحيين المحافظين في الغرب، وبين الزواج المدني الذي يتم خارج الكنيسة ولا تعترف الأخيرة بالعلاقة الناشئة عنه أو حتى شرعية أبناءه كنسياً.
وفيما يتعلق باختلال تقسيم الوظائف بين الرجل والمرأة داخل الأسرة في الغرب، إذا تشكلت أصلاً من رجل وامرأة، فإن تزايد الأدوار الاقتصادية التي تلعبها المرأة في المجتمعات الغربية قلبت رأساً على عقب توزيع المسئوليات داخل المنزل ولكن ما تكرر حدوثه خلال العقود الماضية من القرن الماضي هو أن الرجل - والمرأة كذلك - لم يعد واثقاً من مصيره في العمل أو احتفاظه بنفس وظيفته فضلاً عن الترقي فيها، وفي حالات عديدة كان يفقد عمله لأسباب متعددة، وكان أصحاب الأعمال يفضلون في بعض الأوقات استبدال الموظف - الرجل بموظفة - أنثى تطلب أجراً أقل عن نفس الوظيفة وغير مزعجة فيما يتعلق بالمطالبة بترفيع مكانتهم الوظيفية. وعلى الرغم من أن المرأة كانت هي أيضاً ضحية لمثل هذه التقلبات الاقتصادية، إلا أن توظيف النساء الغربيات الذي لم ينقطع في أعمال بقطاعات السياحة والترفيه والإعلان جعلت المرأة قادرة غالباً على كسب عيشها بصورة قد تكون أكثر استمراراً من الرجل الغربي، وبصفة عامة فإنه مع الثورة الصناعية وخروج المرأة الغربية للعمل وتخليها الطوعي أو القسري عن مملكتها داخل بيتها، فقد أدى ذلك كله تدريجياً إلى تفكك الأسرة الغربية واختلاط العلاقات داخل الأسرة الغربية من الناحية المالية والمعنوية، بعد أن تولت المرأة وظيفة الإنفاق على الرجل والأطفال أيضاً في بعض الحالات. وتبع ذلك سقوط للمعايير الأخلاقية التقليدية المعروفة مسبقاً داخل كل أسرة، ولم يعد للزوج الغربي حتى حق الاعتراض على السلوك الجنسي لزوجته، ولم تتوقف المعايير داخل الأسرة الغربية عن التغير والتبدل المستمرين، بل أن فكرة الأسرة نفسها كمؤسسة اجتماعية يقوم عليها المجتمع السوي قد أخذت في التراجع وفي الاتجاه نحو الانقراض في كثير من المجتمعات الغربية وباتت وكأنها تنتمي للتاريخ.
وأدت ظاهرة المعاشرة دون زواج شرعي إلى زيادة أعداد الأطفال الذين يولدون ولا يعرف لهم آباء .ولم يكن غريباً وسط كل هذا الركام أن تتزايد حوادث القتل والعنف داخل هذه الأشكال الشائعة من الأسر في الغرب، ولا يفوتنا في هذا الصدد أن نشير إلي أن إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ما يسمى باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في عام 1979، وهي الاتفاقية التي تدعو إلى المساواة بصورة شاملة وفي جميع المجالات بالحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية والمدنية وبما يصل إلى درجة التماثل بين الرجل والمرأة ورفض فكرة أن هناك تمايزاً للخصائص أو الوظائف بين الجانبين، كما تطالب هذه الاتفاقية الحكومات الموقعة عليها بالعمل على تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، وتصف الأمومة على أنها وظيفة يمكن لأي فرد أن يقوم بها وفقاً لرغبته واستعداده الاجتماعي، وليس من اللازم أن يقتصر هذا الدور على المرأة دون الرجل. يعتبر الغرب أن الأسرة المسلمة، وما تبديه من تماسك غير مفهوم بالنسبة له في ضوء الضعف السياسي والاقتصادي الذي يعتري الدول الإسلامية، هذا التماسك هو الذي يقف كحجر عثرة في وجه ما يهدف إليه من استيعاب للعالم الإسلامي وفرض قيم العولمة الجديدة عليه. وهذا ما دفع الغرب ليس فقط لشن قصف إعلامي لا يهدأ ضد قيم الأسرة المسلمة، ولكن أيضاً لاستخدام لافتات حقوق الإنسان والمرأة بل البحث العلمي في بعض الأوقات لتحطيم البنى الثقافية التي تتأسس عليها الأسرة المسلمة أو على الأقل التهوين من شأنها والتشكيك فيها
0 التعليقات:
إرسال تعليق