بدأت الدولة الإسلامية تهترأ من الداخل على ما يبدو، وذلك مع ازدياد نسغ المعارضة، والانشقاقات، والنكسات التي تتعرض لها قوة المجموعة، والتي تؤدي إلى تآكل هالة التنظيم على أنه قوة لا تقهر بين أولئك الذين يعيشون في ظل حكمه الاستبدادي.
وتشير التقارير إلى ارتفاع حدة التوتر بين المقاتلين الأجانب والمحليين، وإلى العدوانية والفشل في المحاولات المتزايدة لتجنيد المواطنين المحليين للقتال في الخطوط الأمامية، وتزايد حالات هجمات المسلحين ضد أهداف الدولة الإسلامية، ومعاناة المتشددين في الحفاظ على صورتهم المزروعة بعناية باعتبارهم مقاتلين يسعون لتوحيد المسلمين معًا تحت مظلة الدولة الإسلامية الطوباوية.
وقالت لينا الخطيب، وهي مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، إن التهديد الأكبر لقدرة الدولة الإسلامية قد يأتي من الداخل، مع اصطدام وعودها بالحقائق على الأرض. وأضافت الخطيب: “إن التحدي الرئيس الذي يواجه داعش الآن هو داخلي أكثر منه خارجي. إننا نرى فشل في تحقيق المبدأ الأيديولوجي المركزي لداعش، وهو توحيد الناس من أصول مختلفة تحت الخلافة. هذا المبدأ لا يعمل على أرض الواقع. وهو ما يجعل التنظيم أقل فعالية في الحكم، وأقل فعالية في العمليات العسكرية”.
والأمر الأكثر لفتًا للانتباه هنا هو الاحتكاك المتزايد بين الأجانب، الذين تغريهم تجربة بناء الدولة الإسلامية، والمجندين المحليين، الذين أصبحوا أكثر استياءً من المعاملة التفضيلية التي يحصل عليها الأجانب، بما في ذلك حصولهم على رواتب أعلى وظروف معيشية أفضل.
ووفقًا لناشط معارض للدولة الإسلامية يعيش في مدينة البوكمال على الحدود السورية مع العراق، يبقى المقاتلون الأجانب في المدن، حيث تكون الضربات الجوية للتحالف الدولي نادرة نسبيًا بسبب مخاطر سقوط ضحايا من المدنيين، في حين يطلب من المقاتلين السوريين العمل في المواقع الريفية الأكثر عرضةً لهجمات التحالف.
وأكد الناشط على أن إطلاق النار اندلع في عدة مناسبات في شوارع المدينة، بما في ذلك الأسبوع الماضي، عندما رفض المقاتلون السوريون أمرًا من قائد كويتي بالانتشار في الخطوط الأمامية في العراق. وأضاف الناشط أن الفصيل السوري، تحت قيادة صدام جمال، وهو زعيم سابق في الجيش السوري الحر، ما زال في المدينة، ويحافظ على مسافة من التوتر والقلق من الفصيل الذي يقوده الكويتي.
وفي حادثة وقعت في مدينة الرمادي العراقية في يناير/كانون الثاني، اشتبك العناصر المحليون مع مجموعة تتكون في معظمها من الشيشان، بعد أن قرر الأجانب العودة إلى سوريا، وفقًا لحسن الدليمي، وهو جنرال الشرطة المتقاعد الذي يعمل مع المقاتلين القبليين ضد الدولة الإسلامية. وقال الدليمي: “خشي العراقيون حينها من أن يتركوا لوحدهم”.
وكانت هناك مؤشرات أيضًا على تزايد خيبة الأمل في صفوف الجهاديين الأجانب، ووصف الناشطون في محافظات دير الزور والرقة السورية عدة حالات حاول فيها الأجانب الحصول على مساعدة المحليين للهروب عبر الحدود إلى تركيا. وقد عثر على جثث ما بين 30 إلى 40 رجلًا، كثر منهم من آسيا، في مدينة الطبقة في محافظة الرقة الشهر الماضي. ويعتقد أن هؤلاء كانوا من ضمن مجموعة من المقاتلين الجهاديين حاولت الفرار، وفقًا لمجموعة “الرقة تذبح بصمت”، التي تراقب أنشطة الدولة الإسلامية.
وفرضت قيود جديدة على السفر داخل وخارج المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك منع سائقي الشاحنات من نقل الرجال دون إذنٍ. وقد ازدادت حالات الإعدام على الملأ، وهو عنصر أساس في استراتيجية الحكم التي تتبعها الدولة الإسلامية، لتشمل في الأسابيع الأخيرة نحو 120 من أعضاء الجماعة نفسها، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
واتهم بعض هؤلاء بالتجسس، وآخرون بالتدخين، ولكن الشكوك المنتشرة على نطاق واسع تقول بأن معظمهم كانوا مجرد مقاتلين حاولوا الفرار من صفوف التنظيم.
وفي الوقت نفسه، تساهم الخسائر الإقليمية في شمال سوريا وأماكن أخرى في العراق في زيادة الشعور بأن المجموعة التي أذهلت العالم من خلال اجتياحها المظفر للعراق وسوريا في الصيف الماضي، لا تقف الآن في موقف دفاعي فقط، بل وتعاني أيضًا في إيجاد استراتيجية متماسكة لمواجهة القوات المتعددة التي تقف ضدها.
وتقاتل الدولة الإسلامية اليوم في ثلاث جبهات على الأقل؛ وتشمل هذه الجبهات الأكراد في شمال سوريا، الأكراد في شمال العراق، وقوة مشتركة من الجيش العراقي ومقاتلي الميليشيات الشيعية تتقدم في تكريت. وعلى الرغم من استمرار توسع مقاتلي الدولة الإسلامية في المناطق الشرقية من محافظات حمص ودمشق السورية، إلا أن هذا التقدم ليس مذهلًا مثلما كانت فتوحات التنظيم في العام الماضي.
وجاءت معظم النكسات التي تعرض لها التنظيم في المناطق غير السنية، مثل الجيب الكردي حول كوباني أو محافظة ديالى المختلطة في شرق العراق، حيث تعد الطموحات الإقليمية للدولة الإسلامية محكومة بالفشل بسبب عدم وجود حلفاء لها على الأرض.
وهناك اختبار أكبر بكثير للقدرات العسكرية للدولة الإسلامية يجري الآن، وهو المعركة للسيطرة على مدينة تكريت، مسقط رأس صدام حسين. ويقول محللون إن انتصار القوى التي يغلب عليها الشيعة هناك من شأنه أيضًا اختبار قدرة الجماعات غير السنية على الاحتفاظ بالأراضي السنية التي تغزوها.
وقد كانت خسائر الدولة الإسلامية من حيث الأرض والدم كبيرة إلى حد ما، بما في ذلك فقدانها لمئات القرى حول مدينة كوباني الكردية في سوريا، وقرب بلدة سنجار شمال العراق، وفي محافظة ديالى العراقية.
ويبدو أن هذه المعارك أدت إلى فقدان المجموعة لعدد كبير من مقاتليها، يقدر عددهم بحوالي 20 ألف من الأجانب، إلى جانب عدد غير معروف من العراقيين والسوريين. وادعت وزارة الدفاع الأمريكية الأسبوع الماضي أن الضربات الجوية للتحالف قتلت 8500 من مقاتلي التنظيم، على الرغم من عدم القدرة على التأكد من هذا الرقم.
ويقول السوريون اليوم إن الدولة الإسلامية تقوم أيضًا بتجنيد مقاتلين في صفوف الأطفال والمراهقين الذين لا يزالون أكثر عرضة من البالغين الأكبر سنًا لدعاية الجماعة. وتشمل الجهود المكثفة لإقناع السوريين بالذهاب إلى الخطوط الأمامية في العراق، عروضًا تصل إلى دفع 800 دولار في الشهر كراتب، وفقًا لأحمد مهيدي، الذي وصل إلى تركيا قبل أسبوعين قادمًا من مدينة دير الزور السورية.
وقال مهيدي إن: “العرض لم يحظ أبدًا بشعبية، ولكن الناس دعموه لأنهم كانوا خائفين أو محتاجين إلى المال”. وأضاف: “لا يريد الناس الآن فعل أي شيء لهم، وإذا ضغطت عليهم الدولة الإسلامية، فهم يفرون منها فقط”.
وتعد محافظة دير الزور على الحدود مع العراق المحافظة الأكثر معارضةً للدولة الإسلامية. وقد شهدت هذه المحافظة تعرض الدولة الإسلامية لهجمات صغيرة النطاق، تشمل وضع الكمائن لدوريات التنظيم أو نقاط تفتيشه، بما في ذلك كمين أسفر عن مقتل 12 من أعضاء الجماعة يوم الأحد
0 التعليقات:
إرسال تعليق