أعاد الجدل المثار حول اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، والتي تضع جزيرتي "تيران" و"صنافير" ضمن الحدود الجغرافية المملكة إلى الأذهان جدلاً مماثلاً حول مدينة "أم الرشراش" (إيلات حاليًا)، التي تركتها لمصر لإسرائيل بعد انسحاب الأخيرة من سيناء في عام 1982. "ام الرشراش" هى قرية مصرية ظلت تحت الحكم المصرى حتى نهاية القرن التاسع عشر وأثناء حكم الطولونيين، وفى عام 1906 وبسبب وجود مصر تحت الاحتلال البريطانى قامت القوات العثمانية باحتلالها، ووقعت أزمة عالمية وقتها قامت على إثرها بريطانيا بالضغط على اسطنبول، وانسحبت القوات العثمانية وعادة "أم الرشراش" لمصر بفرمان عثماني.
ومع نهاية حرب فلسطين كان يقيم بها حوالى 350 فردًا من جنود وضباط الشرطة المصرية حتى يوم 10 مارس 1949 عندما هاجمتها إحدى وحدات العصابات العسكرية الصهيونية مستغلة فى ذلك انسحاب الحامية الأردنية والتى كانت تحت إمرة قائد إنجليزي، وقتلت كل من فيها واحتلتها غدرًا بقيادة إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل فيما بعد ، ولأن القوات المصرية كانت ملتزمة بعدم إطلاق النار بحسب اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل لإنهاء حرب 1948، فلم تطلق الشرطة المصرية طلقة واحدة، أما اليهود فقد كسروا الاتفاقية وقاموا بمذبحة قتل فيها جميع أفراد الشرطة المصرية واحتلوا أم الرشراش وحولوها إلى ميناء إيلات 1952. واحتلت بالتالى "أم الرشراش" لأهميتها الاستراتيجية، وأقامت فوقها مدينة وميناء إيلات عام 1952، وكانت دومًا وسيلة ضغط وتهديد لقناة السويس، كما تسعى إسرائيل الآن لإقامة مطار السلام بالقرب منها على حسب المعلومات التى ترددت، لإنهاء أى أمل مصرى فى استعادتها.
فبموجب هذا المطار، ستقسم إسرائيل المنطقة بما فيها أم الرشراش إلى إيلات شرقية وغربية، لتضيع ملامح وحدود القرية، رغم عدم امتلاك إسرائيل لأى أوراق أو مستندات يمكن أن تتخذها ذريعة لامتلاك أم الرشراش، ورغم حق مصر المثبت تاريخيًا وحدوديًا فى هذه القرية، خاصة إذا ما طالبت مصر إسرائيل بالعودة لحدود 1947، وتنفيذ قرار التقسيم رقم 81، و الذى أصدرته الأمم المتحدة. وتعد القرية هى الحبل السُرى بين مصر والعرب، وهمزة الوصل بين المشرق والمغرب العربى، ومن هنا تأتى أهميتها لدى مصر باعتبارها أرضًا مصرية تختصر المسافات بين الدول العربية، ولنفس السبب أيضًا تظهر أهميتها لدى إسرائيل والتمسك باغتصابها لفصل وإبعاد مصر عن الدول العربية، لكونها محطة أساسية واستراتيجية يمر عليها الحجاج فى طريقهم إلى الحجاز. القرية المصرية فى عيون الرؤساء تباين تعامل الرؤساء مع ملف القرية الخطير والبعض حاول تجاهل الأمر لخطر القضية التى بقيت غصة تعكر صفو النصر للمصريين حتى يومنا هذا. تمنى الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر استردادها ورفض استبدالها بكوبرى يمر فوق "أم الرشراش" ويربط بين المشرق والمغرب العربي، وذلك عقب اقتراح من الولايات المتحدة فى عهد الرئيس جون كيندى والذى كانت تربطه علاقة طيبة بعبدالناصر، إلا أن البعض وجد من هذا التصريح إثباتًا لزيف وتضليل وثائق بريطانية تؤكد تنازل الأخير عن هذه القرية لإسرائيل.
وبرر البعض رفض عبد الناصر بشأن الكوبرى لتخوفه من سقوط حق مصر فى المطالبة بعودتها، قائلاً: "كيف نستبدل أرضنا بكوبرى ممكن أن تنسفه إسرائيل فى أى وقت ولأى سبب" "السادات" يعطى الأولوية لطابا وفى عهد الرئيس الرحل أنور السادات، ورغم تمنيه استرداد أم الرشراش إلا أن استرداد طابا كان له الأولوية أمامه، وأعطى طابا كل اهتمامه باعتبارها أهم وأكبر، ومع ذلك أدرجت أم الرشراش ضمن ملف التحكيم الدولى الذى رفعته مصر بشأن طابا.
مبارك تجاهلها الرئيس الأسبق حسنى مبارك، لم يتطرق إلى قضية أم الرشراش كثيرًا فى عهده، نظرًا لطبيعة العلاقات والمصالح مع أمريكا التى كانت تحاول وأد أى محاولات لفتح هذا الملف الشائك عن طريق سفارتها فى القاهرة، ومع ذلك ذكرت أم الرشراش فى عدة مناسبات وعلى استحياء من الرئيس الأسبق عندما أعلن فى عام 1996 أن أم الرشراش مصرية، كما جاء على لسانه فى برنامج "صباح الخير يا مصر" بمناسبة أعياد تحرير سيناء عام 1997 أن أم الرشراش مصرية.
اعتراف إسرائيلي اعترف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى للإعلام العربي، أفيخاى أدرعي، على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك" باحتلال مدينة "أم الرشراش" المعروفة حاليًا بــ"إيلات"، ورفع العلم الإسرائيلى عليها. قص أفيخاى قصة صناعة العلم الإسرائيلى الحالي، وكيف تم اتخاذه علما للدولة الناشئة، وأكد أن العلم تمت صناعته من قماش الجنود، حيث روى أدرعى عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" قصة احتلال المدينة التى أسمتها إسرائيل فيما بعد بـ"إيلات"، قائلًا: "رفع علم الحبر حفر فى الذاكرة الجماعية كرمز لانتهاء حرب الاستقلال، وانتصار دولة إسرائيل بها، وعلم الحبر، هو عبارة عن علم مؤقت لدولة إسرائيل مصنوع من القماش الأبيض والحبر، والذى تم رفعه فى 10 آذار (مارس) من العام 1949 من قبل جنود لواء النقب بعد احتلال مقر شرطة أم الرشرش (إيلات اليوم) فى إطار عملية عوڨدا. مستقبل مجهول وكان وزير الخارجية الأسبق أحمد أبو الغيط، أعلن فى عام 2008، أن قرية " أم الرشراش" ليست أرضا مصرية، وفقا لاتفاقيتى عامى 1906 و1922، مشيرًا إلى أنها كانت ضمن الأراضى المعطاة للدولة الفلسطينية، وفقا لقرار الأمم المتحدة 181 فى نوفمبر عام 1947 وأوضح أبو الغيط، أن إسرائيل دخلت إلى هذه القرية بالعدوان على حقوق الفلسطينيين وكل ما يثار من مطالب مصرية فى هذا الشأن هدفها إثارة المشاكل بين مصر وإسرائيل.
وقال محمد سيف الدولة، الباحث المتخصص فى الشأن القومى العربى ورئيس حركة ثوار ضد الصهيونية، إن أم الرشراش أرض عربية محتلة منذ 10 مارس 1949 اغتصبت عبر الاعتداءات المتكررة من العدو الصهيونى. وأشار إلى أن كل أجهزة الدولة المصرية بعد كامب ديفيد تتبنى ذات الموقف الذى أعلنه أبو الغيط، حيث تؤكد فى كل بياناتها الرسمية أن طابا كانت هى آخر أرض مصرية محتلة، فإن هذا يعنى ضمنيًا نفى الهوية المصرية عن أم الرشراش. ولفت سيف الدولة، فى تصريحات لـ""، إلى أنه على الأغلب قد تم اتفاق غير معلن بين مصر وإسرائيل أثناء المفاوضات على التزام مصر بعدم المطالبة بأم الرشراش، وهو ما تكرر فى مسائل أخرى، مثل قضية التعويضات الإسرائيلية عن سنوات الاحتلال، حيث تم الاتفاق كذلك على عدم المطالبة بها وفقا لقاعدة "ال فات مات"، منوهًا إلى أن كل هذه الاتفاقات سرية ولم يعلن عنها، ولكن يمكن استخلاصها من امتناع الدولة المصرية عن المطالبة بأى من هذه الحقوق الثابتة تاريخيًا والمشروعة قانونيًا. ونوه سيف الدولة، إلى أن الدعوة لتحرير واسترداد أم الرشراش هى دعوة وطنية ومشروعة وواجبة، والتخلى عنها هو موقف شائن غير وطني، مؤكدًا أن هذه القضية يحيط بها العديد من التخوفات حيث لا تزال القيود الأمنية والعسكرية التى فرضتها إسرائيل على قواتنا وتسليحنا فى سيناء، وما تتضمنه من تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح، بحيث إن أقرب دبابة إسرائيلية تبعد عن الحدود المصرية 3 كم فى حين تبعد أقرب دبابة مصرية عن نفس النقطة 150 كم. واستطرد سيف الدولة، قائلاً إننا نطالب بالتحرر من كامب وقيودها لأن مصر تلجأ للحصول على إذن من إسرائيل إذا أرادت إدخال مزيد من القوات إلى سيناء من حيث أعدادها وتسليحها ومواقعها وطبيعة مهماتها وموعد انسحابها، فضلاً عن وجود قوات أجنبية تحت قيادة أمريكية لا تخضع للأمم المتحدة فى سيناء تراقبنا. وقال الدكتور عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بـ "الأهرام"، إن عودة منطقة "أم الرشراش " مرهونة بالتحكيم الدولى أو قبول وصاية محكمة العدل الدولية، منوهًا إلى أن إعادة الأمر للتحكيم الدولى أمر مشكوك فيه من قبل إسرائيل. وأشار ربيع لـ""، إلى أن قبول وصاية محكمة العدل الدولية مرتبط بكون إسرائيل مشتركة بها من عدمه، مؤكدًا أن هذه المنطقة مصرية، منوهًا أنها كانت تحت الحكم المصرى حتى نهاية القرن التاسع عشر أثناء حكم الطولونيين، وفى عام 1906 وبسبب وجود مصر تحت الاحتلال البريطانى قامت القوات العثمانية باحتلال "أم الرشراش" ووقعت أزمة عالمية وقتها قامت على إثرها بريطانيا بالضغط على اسطنبول، وانسحبت القوات العثمانية وعادة «أم الرشراش» لمصر بفرمان عثماني. من جانبه قال الدكتور سعيد اللاوندى، خبير العلاقات الدولية، إن النظام الحالى يضع سيناء فى أولوياته، منوهًا إلى أن الحكومة المصرية منشغلة بالحرب ضد الإرهاب وهى حرب استنزاف. وأشار اللاوندى، إلى أن قضية "أم الرشراش" تأتى عقب التخلص من الإرهاب فى سيناء، مشيرًا إلى أنه لا سبيل لعودة المنطقة لمصر إلا بالحوار والمفاوضات مع إسرائيل. واستطرد اللاوندى، قائلاً الحوار يشمل جميع الوسائل سواء الحوار المحلى أو حوار عن طريق الحكومة أو حوار دولى، رافضًا استخدام الحل العسكرى ومطالبًا باللجوء للحوار فى حضور المنظمات الدولية. وقال الدكتور نبيل مصطفى خليل، أستاذ القانون الدولى بأكاديمية الشرطة، إن الحل الوحيد لإعادة قرية "ام الرشراش "هو اللجوء إلى التحكيم الدولى لإنهاء النزاع، مشيرًا إلى أن هذه القضية مماثلة لقضية أرض طابا و التى نجح التحكيم الدولى فى إعادتها لمصر. وتسأل خليل، فى تصريحات لـ" "، ما المانع فى فتح مصر لهذه القضية واللجوء للتحكيم الدولى للفصل فيها، منوهًا إلى أن الحكم فى هذه القضية يستغرق سنوات فلماذا لم يشرع النظام فى هذا الطريق؟. ونوه خليل، إلى أنه لابد على الدولة أن تتبنى هذه القضية لأنها أرض مصرية تستحق الدفاع عنها كما أن من حق مصر استعادة أرضها، مشيرًا إلى أن هذه القضية لا علاقة لها بالأوضاع الأمنية فى مصر خاصة وأن الحكم فيها أمامه سنوات وبالتالى الظروف الأمنية وأولويات الدولة ليست حجة منطقية لعدم فتح القضية وعلى الدولة البدء فى اللجوء للتحكيم الدولى للفصل فى هذه القضية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق