الصفحة الرئيسية » » هل يعد مصافحة المرأة ناقضًا للوضوء؟

هل يعد مصافحة المرأة ناقضًا للوضوء؟


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :

اختلف الفقهاء حول أثر مصافحة النساء على الوضوء فمنهم من يرى أن اللمس أو المصافحة ناقض للوضوء على أية حال، ومنهم من يرى أن اللمس أو المصافحة ناقض للوضوء حال الشهوة، ومنهم من يرى أن اللمس أو المصافحة لا ينقض الوضوء على أية حال، وهو ما نرجحه للفتوى، مع الوضع في الاعتبار أن مصافحة المرأة الأجنبية بشهوة محرم بإجماع الفقهاء .

يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق- رحمه الله-:

يقول الله تعالى في بيان الطهارة التي تجب على المُؤمن إذا أراد القيام إلى الصلاة (يا أيُّها الذينَ آمَنُوا إذا قُمْتُمْ إلى الصلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلَى المَرافِقِ وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلَى الكَعْبَيْنِ وإنْ كنتمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وإنْ كُنتُمْ مَرْضَى أو علَى سَفَرٍ أوْ جاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِن الغَائِطِ أو لامَسْتُمُ النِّساءَ فلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكمْ وأَيْدِيكُمْ مِنْهُ).(6 : المائدة).

وإن بعض الأئمة فسَّر الملامسة في الآية بمَسِّ اليد أو نحوها، وعليه يكون مَسُّ المرأة ناقضًا للوضوء، وفسَّرها آخرون بالمُخالطة الخاصة، وعليه لا يكون المسُّ باليد ومنه المُصافحة ناقضًا للوضوء. وهذا هو الذي نختاره لما يلي: .


أولا: لأن القرآن استعمل المَسَّ في المُخالطة (لمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ). (ثم طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قبلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ). كما استعمل فيها المباشرة (ولا تُباشروهُنَّ وأنتم عاكفون في المساجد)، والمُلامسة كالمباشرة والمسِّ.
ثانيًا: أنه بتفسير المُلامسة بالمُخالطة الخاصة تكون الآية استوعبتْ جميع أنواع الطهارة الواجبة بالنسبة لأسبابها؛ فبيَّنت طهارة الوُضوء بقوله: (فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)...إلخ، وبيَّنت طهارة الغُسل بقوله: (وإنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا). ثم بيَّنت الطهارة بالتيمُّم حين العُذْر عن استعمال الماء بدلًا من الوضوء بقوله: (أو جاء أحدٌ منكمْ مِنَ الغَائِطِ). وبدلًا من الغُسل بقوله: (أوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ).

ثالثًا: قد صحَّت الأحاديث الدالَّة على بقاء الوُضوء بعد المَسِّ باليد ونحوها.
رابعًا: أن عدم نقْض الوضوء بالمُصافحة هو ما يقضي به اليُسْرُ الذي بُنيتْ عليه الشريعة وخُتمت به آية الطهارة:(ما يُريدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عليكمْ مِن حَرَجٍ ولكنْ يُريدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ولِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عليكمْ لعلَّكمْ تَشْكُرُونَ).المائدة : 6

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي مبينا أثر لمس المرأة على الوضوء :-

من الفقهاء من قالوا: ينقض اللمس الوضوء بكل حال، وهو مذهب الشافعي.
وروي إيجاب الوضوء من القبلة مطلقا: عن ابن مسعود وابن عمر والزهري وعطاء والشعبي والنخعي والأوزاعي، لعموم قوله تعالى في آية الطهارة (أو لامستم النساء) النساء: 43، والمائدة: 6. قال ابن مسعود: القبلة من اللمس، وفيها الوضوء. رواه الأثرم.
ولكن قول هؤلاء بأن في القبلة الوضوء ليس هو تماما قول الشافعي، لأن القبلة مظنة الشهوة، بخلاف مجرد اللمس، ولو خطأ.
ومن الفقهاء من قالوا: لمس المرأة لا ينقض الوضوء بحال. وهذا روي عن ابن عباس، وهو قول طاووس والحسن ومسروق من التابعين. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.

ومن أدلة هذا القول: ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلة من الفراش، فالتمسته، (أي بحثت عنه) فوقعت يدي على بطن قدميه، وهو في المسجد، وهما منصوبتان ".

وعنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجليّ " متفق عليه. وفي رواية النسائي: مسني برجله.

وتأويل ذلك بأنه كان مع وجود حائل: خروج عن الظاهر.



وعنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه، ثم يصلي ولا يتوضأ.

والملامسة التي استدلوا بها في الآية: أريد بها الجماع، قاله ابن عباس، ولكن الله حييٌّ كريم يكني عما شاء بما شاء.
ولأن المراد بالمس في القرآن الجماع، كما في قوله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) البقرة: 237 (ولم يمسسني بشر) مريم: 20 ونحوهما. فكذلك المس.
ولأنه ذكره بلفظ المفاعلة (لامستم) والمفاعلة لا تكون من أقل من اثنين.
ومما يؤيد أن الملامسة كناية عن الجماع: قوله تعالى في الحدث الأصغر: (أو جاء أحد منكم من الغائط) وهذا المجيء كناية عن الحدث الأصغر من البول والغائط، فتكون في الآية كنايتان: إحداهما عن الحدث الأصغر، والأخرى عن الحدث الأكبر، ويكون التيمم عند فقد الماء مجزئا عن أي من الحدثين.
يؤكد ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلّى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها. متفق عليه. والظاهر أنه لا يسلم من مسها.

ومن الفقهاء من قالوا: ينقض اللمس إذا كان لشهوة، ولا ينقض لغيرها، جمعا بين الآية والأخبار. وهو مذهب مالك، وظاهر مذهب أحمد.

وهو قول الشعبي والنخعي والحكم وحماد والثوري وإسحاق.

قال أصحاب هذا المذهب: إذا ثبت هذا فلا فرق بين الكبيرة والصغيرة، وبين ذوات المحارم وغيرهن.

وخص الشافعي النقض بغير المحارم، وبغير الصغيرة التي لا تشتهى.

ويستوي في اللمس أن يكون باليد أو بغيرها من أعضاء الجسم.

كما يستوي أن يكون من قِبَل الرجل أو من قِبَل المرأة، وإن كان من قال: لمس المرأة للرجل لا ينقض، لأن الآية تقول: (أو لامستم النساء).

والذي نرجحه من هذه الأقوال هو القول بعدم النقض مطلقا، إذ كل ما اعتمد عليه الناقضون هو الآية الكريمة، والحق أنه لا دلالة فيها، كما قال ابن عباس ترجمان القرآن، ومن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه التأويل. وهو الموافق لختام الآية الكريمة: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) المائدة: 6.



0 التعليقات:

إرسال تعليق

أخترنا لك

تحميل فيلم ملك الرمال

الأكثر قرأة

الأرشيف