أجمع عسكريون واستراتيجيون مصريون، على أن الإجراءات والتصرفات التي سار عليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بإهانة جيشه وتفكيكه بالاعتقالات والملاحقات العشوائية، ردا على انقلاب 15 يوليو/تموز الفاشل، تفسر رغبته التي كان ينتظر الفرصة لتنفيذها، بإحلال ميليشيات حزب العدالة والتنمية وتنظيمات محسوبة على الإسلام السياسي، كبديل عن الجيش، حتى يضمن الولاء، لاستمرار نظامه المعادي لعلمانية الدولة.
نموذج الحرس الثوري
وأكد عسكريون مصريون، أن أردوغان وأعوانه يسيرون على نهج فكر “ولاية الفقيه”، الذي اتبع من جانب الإمام الخميني عقب الثورة الإسلامية في نهاية السبعينيات، التي أطاحت بحكم الشاه، حيث أوجد ميليشيات الحرس الثوري، التي جاءت بعد حركة الإعدامات والاغتيالات التي نالت القادة العسكريين والضباط بالجيش الإيراني، موضحين أن التصرف الطبيعي للرد على الانقلاب هو تعقب ومحاكمة المتورطين فيه، وليس استهداف المؤسسة العسكرية التركية التي تعتبر من أهم وأعرق جيوش العالم.
وأشاروا إلى أن أحداث ما بعد الانقلاب الخاصة بالاعتقالات، أثبتت أن من لاحقوا أفراد الجيش وأفشلوا الانقلاب ليسوا بالشرطة، ولكنهم ميليشيات تابعة لـ أردوغان وجماعته.
وأوضح المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية ومدير كلية الدفاع الوطني الأسبق في مصر، اللواء الدكتور محمد الغباري، الذي عاين التجربة العسكرية التركية من خلال مناورات وتبادل خبرات عسكرية مصرية سابقة بين القاهرة وأنقرة، أن الاستراتيجية العسكرية دائما مرتبطة بالدولة، وأن تأثير ما حدث كارثي على الجيش التركي، ويحتاج سنوات طويلة للعلاج.
الميليشيات بدلاً من الجيش النظامي
وشبه الغباري ما قام به أردوغان، ردا على الانقلاب، بما أقدم عليه الإمام الخميني، الذي قام بثورته الشعبية وتعميقها داخل مؤسسات الدولة، فلجأ إلى فكرة الحرس الثوري الإيراني، حيث دخلوا على الوحدات العسكرية فسيطروا عليها، ثم تم حبس القادة خلال ستة أشهر وأعدم 600 لواء وضابط، فانهار الجيش الإيراني، فكانت الفرصة للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، لإعادة شط العرب في حرب الخليج الأولى، وحقق الجيش العراقي انتصارات في البداية، لأن الجيش الإيراني تفكك لحساب الحرس الثوري.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ إرم نيوز ، أن القوات المسلحة التركية، تحتوي على سبعة جيوش أكبرها الجيش الأول ومقره في اسطنبول، وهذا الجيش هو المعني دائما بالانقلابات منذ ستينيات القرن الماضي، نظرا لقوته التي وضعها فيه مؤسس الدولة مصطفى كمال أتاتورك، حيث وضع بالجيش الأول ما يسمى بالمجلس الأعلى العسكري، وهو المنوط بالحفاظ على علمانية الدولة، وله الحق في الانقلاب طالما تبتعد سلطة الدولة عن العلمانية، وعندما وصل أردوغان بدأ في إجراءات المواءمة مع قياداته، ثم عمل على تجهيز ميليشيات من أنصاره، وكان يتبقى لها أن تأخذ الإطار الرسمي بإدخالها في الجيش، وهو ما تم عبر الفرصة التي وفرها انقلاب 15 يوليو.
سر الجيش الأول
وأردف: “سبب فشل انقلاب الجمعة الماضي هو عدم التنسيق والتجهيز من جانب المنقلبين مع الجيش الأول الذي يعتبر الأقوى والأهم، وبداخله أكبر الجنرالات وأكثرهم تأثيرا في الجيش، ولقد تم اعتقال عدد كبير منهم خلال الأيام الماضية بدون تهم أو شبهات، لأن فشل الانقلاب يعني براءتهم وعدم علاقتهم به، ومشاركتهم كانت تعني النجاح وإسقاط حكم أردوغان”.
واتفق رئيس جهاز الاستطلاع السابق بالمخابرات الحربية في مصر، اللواء نصر سالم مع الغباري بأن فكر جماعةالإخوان المسلمين، التي ينتمي لها أردوغان لا يختلف أبدا عن فكر ولاية الفقيه في إيران، وأن الجماعة تحلم بميليشيات على غرار الحرس الثوري الإيراني.
وبالتالي فإن هذا هو حلم أردوغان وجماعته، للتخلص من الجيش الذي يحمي علمانية الدولة.
وحذر سالم من تأثر موازين القوى العسكرية في المنطقة بسبب تفكك الجيش التركي.
فقدان الروح القتالية
وأشار إلى أن ما حدث في الجيش التركي نوع من الغباء، حيث فقد الأتراك جيشهم لثلاثة عقود مقبلة والجيل الحالي لن ينسى ما حدث لجيشه، مشيرا إلى أن الروح القتالية انتهت، لأن الجيش يحارب بالأساس بالروح المعنوية وعند فقدانها ينتهى.
وتابع لـ إرم نيوز : “لو كان الرئيس التركي قام بإعدام المنقلبين، كان الجيش سيغفر له هذا الأمر، ولكن إهانة الجيش أمام العالم، وضعت القوات المسلحة كلغم تحت كرسي الحكم لينفجر في أي وقت”.
الحرب على العلمانية
فيما أوضح رئيس الجمعية المصرية للدراسات الاستراتيجية والخبير العسكري، اللواء محمود منصور، أن ما يحدث في تركيا هو نموذج مثالي لما يترتب على فكر التطرف الديني، الذي تؤمن به جماعة الإخوان في جميع دول العالم التي ينتمي إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مشيرا إلى أن النجاح في القضاء على الحركة الانقلابية بتركيا يقدم نموذجا للهيمنة على السلطة وأخونتها، لأنهم لا يؤمنون بمنظومة الدولة ولكن يؤمنون بالعصبة.
وأكد منصور لـ إرم نيوز، أن ما حدث للجيش التركي نتيجته معروفة وواضحة للعيان، فهو جيش عار ومكسور، لافتا إلى أن الخطوات التي يمارسها أردوغان تطابقت مع الخطوات التي كان يحاول الإخوان المسلمون إتمامها في مصر، عندما وضعوا القضاء والجيش في مقدمة خصومهم، ولكن القدر لم يمهلهم في ضرب هذه المؤسسات.
وأردف: “الجيش التركي كان من أقوى جيوش العالم، وهذا ما أحدث قلقا لحزب العدالة والتنمية، لأن الجيش التركي دائما ما يهدد كل ما هو ليس علمانيا على مر العقود الماضية، فتم تجهيز ميليشيات الإخوان التابعة للعدالة والتنمية، لتخرج في هذا المشهد ويتم تجييشها في قوة عسكرية تنتمي للإسلام السياسي، ويكون ولاؤها فقط لهذا الفكر”.
0 التعليقات:
إرسال تعليق